مميزات الشخصية المتمتعة بالصحة النفسية

مميزات الشخصية المتمتعة بالصحة النفسية
السواء واللاسواء من الأمور الشديدة التعقيد والتي يختلف الأمر بشأنها اختلافا كبيرا بين المهتمين بموضوع الصحة النفسية , ويرجع ذلك التعقيد للعديد من الأمور منها اختلاف المعايير المحددة لكل منهما باختلاف الثقافة التي تفرزها , فما هو سوى ومقبول في مجتمع ما قد يعتبر غير سوى وشاذ في مجتمع أخر . كذلك وتختلف هذه المعايير باختلاف الفترة الزمنية المعاشة , فما كان مقبولا ويعتبر من مؤشرات السواء في زمن معين قد يصبح هو نفسه دالا على اللاسواء في زمن أخر .
بالرغم مما سبق فإن هناك مجموعة من المؤشرات العامة التي يمكن اعتبارها من محددات السواء , واعتبار نقائضها دالة على اللاسواء , ومن هذه
المؤشرات ما يلي
1 - تقبل ألذات
يتميز الشخص السوي بتقبل ذاته كما هي عليه ( هنا والآن ) بما فيها من سلبيات وإيجابيات , نقاط قوة ونقاط ضعف ولكن دون استسلام أو ركود إلى الوضع الراهن باعتباره واقع لا يمكن تطويره , وإنما تقبل مع السعي الدائب والدائم الذي لا يتوقف لتطوير هذه الذات والتغيير فيها نحو الأفضل الذي يرتضيه الشخص لنفسه وفي نفس الوقت يرتضيه له الآخرين . ولا شك أن مثل هذه المحاولات المستمرة في سبيل التعديل والتغيير والتحكم في العيوب والنواقص الذاتية الموجودة حتى ولو كانت نتائج تلك المحاولات محدودة تجعل الفرد دائما في حالة من التقبل لذاته وبالتالي تنعكس عليه وعلى شخصيته بمزيد من التوافق الذي هو دليل من بين مجموعة من الدلائل الدالة على السواء
=2-تقبل الآخرين مع القدرة على إقامة علاقات إيجابية معهم
لإنسان كائن إجماعي , لذلك لن يتمكن هذا الفرد من التعايش إلا مع جماعة من الأفراد الذين يتفاعل معهم , هذا التفاعل بين الفرد وغيره لابد وأن يقوم على نوع من أنواع التفاهم المتبادل . والجدير بالذكر أن هذا التفاعل والتفاهم يرتكز على تقبل الآخرين بكل ما بهم من إيجابيات وسلبيات , فاقتناع الفرد بأن الآخرين مثله من حيث امتلاكهم لجوانب قوة وجوانب ضعف , بداخلهم إيجابيات وسلبيات يساعده على تقبل هؤلاء الآخرين ومن ثمة يصبح قادرا على التفاعل معهم والتعامل الإيجابي الذي يؤدي بدوره إلى إقامة علاقات إيجابية تربط بين الأفراد وبعضهم البعض , ومن هنا تسود روح الجماعة ويتحقق الانتماء الذي يؤدي بدوره إلى شعور الفرد بأنه جزء أساسي من الجماعة التي ينتمي إليها مما يعود عليه بمزيد من التوافق الذي هو دليل من بين مجموعة من الدلائل الدالة على السواء
3 - وجود قدر معقول من الشعور بالأمن والطمأنينة الداخلية
من بين أهم أسباب الاضطرابات النفسية ومعاناة الفرد من مشكلات التوافق سواء مع الذات أو مع الآخرين شعور الفرد بالتهديد والذي قد يعطله عن التفكير بشكل جيد والسعي نحو حل المشكلات والقيام بالمهام المطلوبة . وكي يتحقق السواء ويسود نوع من التوافق النفسي فإن الفرد يحتاج إلى قدر من الشعور بالأمن والطمأنينة والتي تعتبر حاجة من الحاجات الأساسية لدى الإنسان كما عبر عن ذلك علماء النفس . والشعور بالأمن مفهوم نسبي , يختلف من شخص إلى أخر , فما يحقق لي الأمان قد يكون مختلفا تماما عما يحققه لشخص آخر . ويمكننا القول بأن التقبل الذي سبق وأن تحدثنا عنه في النقاط السابقة سواء كان تقبل الذات أو الآخرين من أهم تنلك الأمور التي تساعد على شعور الفرد بالأمن .
تحديد أهداف واقعية في الحياة -4
من أسباب سواء الشخصية أن يكون الفرد قادرا على أن يحدد لنفسه قدرا مناسبا من الأهداف التي يمكنه أن يحققها خلال فترة زمنية معينة من حياته , بشرط أن تتسم تلك الأهداف بالواقعية . والواقعية هنا تتحقق كلما كانت أهداف الفرد وطموحاته مناسبة لحجم ما يمتلكه من إمكانيات وقدرات شخصية فعلية , كذلك مناسبتها لكل ما يحيط به من ظروف اجتماعية حتى يمكنه بالفعل إنجاز ما تم التخطيط له وتحقيق تلك الأهداف , ومن ثمة التخطيط لأهداف أخرى لمرحلة تالية وهكذا . ولا شك أن شعور الفرد بالإحباط نتيجة لعدم قدرته على تحقيق أهدافه في الحياة من الأمور التي تؤثر بشدة على التوافق النفسي والاجتماعي مما يؤثر بالتالي على السواء النفسي , لذلك يجب أن يكون الفرد قادرا على القيام بوضع الأهداف بعد مراجعته لكل الإمكانيات والقدرات الشخصية التي يمتلكها والتي تؤهله لتحقيق تلك الأهداف , بالإضافة إلي رؤيته الصائبة لكل الظروف المحيطة به ومدى ملائمتها لتحقيق أهدافه حتى لا يتعرض للفشل مما يؤثر بالتالي على توافقه .
5- القدرة على تحمل المسئولية
تعبر المسئولية عن الدور الذي يكلف به الفرد من خلال عملية التفاعل الاجتماعي , والمسئولية لا يقوم بها ويتحملها إلا كل من هو ذو شخصية سوية نظرا لأنها تتطلب أن يكون الفرد على وعي بدوره تجاه نفسه والآخرين , وقادرا على القيام بمتطلبات ذلك الدور وفقا لتوقعاتهم . ولا شك أن شعور الفرد بقدرته على تحمل المسئولية وقدرته على الالتزام بواجبات دوره تعكس شعورا بالكفاءة والثقة بالنفس مما يعطي الفرد إحساسا بالرضا وينعكس بالتالي على سواءه النفسي . هنا يجب أن نؤكد أيضا على أهمية معرفة الفرد بخصائصه وقدراته التي يحدد بناءا عليها تحمله لمسئوليات معينة يمكنه القيام بها , ولا شك أن الفرد عندما يشعر بعدم قدرته على تحمل المسئولية أو فشله في الالتزام بالقيام بما هو مكلف به يؤثر ذلك وبشدة على توافقه النفسي ومن ثمة على صحته النفسية
6 - القدرة على التعلم من الخبرة
لقد ميز الله سبحانه وتعالى الإنسان على سائر المخلوقات بالعقل والقدرة على الاستفادة مما يمر به من خبرات أو ما مر به غيره من البشر , فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يبدأ من حيث ما انتهى إليه غيره على عكس بقية المخلوقات التي تبدأ من حيث بدأ الآخرون , والدليل على ذلك ما نشاهده من إنجازات حققها البشر على مر العصور والتي تعتبر دليلا على تراكم المعرفة وتناقلها من جيل إلى أخر . فالعقل الذي يتميز به الإنسان عن غيره من الكائنات هو الذي يساعده على التفكير والاستبصار بالموقف وعناصره المختلفة وتحليل الخبرات الشخصية التي يمر بها , بل وخبرات الآخرين أيضا ليتعلم منها كيف يتعامل مع ما يواجهه من مواقف تالية بإيجابية . ولا شك أن مثل هذه القدرات تعتبر من العلامات الدالة عن النمو السوي والقدرة على تحقيق التوافق سواء مع الذات أو مع الآخرين

7-ضبط الذات والتحكم في السلوك -
من أهم أسباب تمتع الفرد بشخصية سوية قدرته على التنبؤ بنتائج السلوك الذي يقوم به ومن ثمة القدرة على التحكم فيه وتعديله بما يتناسب مع طبيعة الموقف وبما يساعده على الاستمرار في التوافق سواء مع نفسه أو مع الآخرين .ولا شك أن الاندفاعية التي قد يعاني منها بعض الأفراد تؤثر وبشكل سلبي على حياة الفرد نظرا لأنه لا يمتلك مهارة التحكم في إندفاعيته ويعاني من كثرة المشكلات التي يقع فيها بسبب عدم قدرته علي تقدير عواقب الأمور أو القدرة على التفكير الهادئ عند مروره بمشكلة ما وممن ثمة يتعرض للخسائر بشكل متواصل مما يؤثر بالتالي على توافقه وسوائه وصحته النفسية
8 - الاستقلالية والاعتماد على الذات
سبق وأن قلنا أن الشعور بالانتماء سواء للجماعة أو المجتمع بشكل عام من الحاجات الأساسية للفرد التي يسعى إلي تحقيقها , وهى كذلك تعد من العوامل المؤثرة في تمتع الفرد بشخصية سوية , ونحن نؤكد هنا أيضا على أهمية هذا العامل ولكن نؤكد في الوقت نفسه على أن هذا الانتماء لا يعني أن يكون الفرد غير قادر على اتخاذ بعض القرارات الهامة في حياته ويترك ذلك الأمر للآخرين كي يحددوا له كل شيء ويساعدونه في كل الأمور التي يمر بها دون أن يسعى هو إلي بذل الجهد سواء في التفكير أو في اتخاذ القرار أو حتى في طرق تنفيذ تلك القرارات , لابد وأن يكون هناك قدر من الاستقلالية التي تساعد على شعور الفرد بالقدرة على التفكير فيما يخص الجوانب الشخصية الخاصة به واتخاذ بعض القرارات بشأنها ولو في حدود بسيطة " مثل نوع التعليم الذي يرغب به , العمل الذي يتمنى أن يمارسه , اختيار الزوجة بمواصفات يفضلها ... الخ " نظرا لأن ما يحققه الفرد من إنجازات بناءا على اعتماده على ذاته تكون من بين أهم العوامل التي تساعد على الشعور بالسواء والصحة النفسية بشرط ألا تتعارض تلك القرارات مع مصلحة الجماعة التي ينتمي إليها بدعوى أن كل فرد له مطلق الحرية في اتخاذ قراراته , فالحرية الشخصية كما نعلم تنتهي عند حدود حرية الآخر. يمكننا القول إذن بأن الشعور بالانتماء وفي نفس الوقت الشعور بالاستقلالية أمور هامة في عملية السواء ويجب التوازن بينهما وعدم اختلاط الأمر في كلا الحالتين , فنحن ننتمي إلي جماعة ولكن بداخل هذه الجماعة علينا مسئوليات في تحقيق أهداف هذه الجماعة والتي تعتبر جزء من أهدافنا الشخصية.
9 - تقبل المعايير الاجتماعية والالتزام بها والعمل بموجبها -
يعتبر هذا العامل امتدادا لما سبق وأن تحدثنا عنه في الشعور بالانتماء , والاستقلالية . إن من شروط الانتماء لأي جماعة " الأسرة , المدرسة , العمل ... الخ " تقبل الفرد معايير تلك الجماعة والالتزام بها والمحافظة عليها حتى يتمكن من التعايش مع تلك الجماعة بشكل جيد بعيدا عن أي صراعات أو مشكلات ويتمكن من تحقيق أهدافه من خلالها دون أي تعارض . ولا شك أن الشعور بالرضا عن الجماعة وما تفرضه من معايير , والقدرة على التعايش معها يساعد على تمتع الفرد بقدر كبير من السواء والصحة النفسية .

.

.

.