الاتجاهات الحديثة في إدارة الجودة الشاملة .
* ـ إن مصطلح الجودة هو بالأساس مصطلح اقتصادي ظهر بناء علي التنافس الصناعي والتكنولوجي بين الدول الصناعية المتقدمة بهدف مراقبة جودة الإنتاج وكسب ثقة السوق والمشتري ، وبالتالي تتركز الجودة علي التفوق والامتياز لنوعية المنتج في أي مجال ، وتعرف الجودة ضمن مفهوم إدارة الجودة الشاملة ( TQM) بأنها مقابلة توقعات الزبون وتجاوزها إلي أحسن منها ، وبالتالي يقوم المستفيد بتحديد ماهية الجودة المطلوبة والتي تلبي رغباته وتحقق رضاه ، وهنا يكمن التحدي والصعوبة في إرضاء جميع المستفيدين والذين تختلف أهواءهم ورغباتهم ولهم شخصيات مختلفة وينتمون لطبقات اجتماعية مختلفة .
أما مفهوم الجودة في التعليم فهو يتعلق بكافة السمات والخواص التي تتعلق بالمجال التعليمي والتي تظهر جودة للنتائج المراد تحقيقها ، وهي ترجمة احتياجات توقعات الطلاب إلي خصائص محددة تكون أساساً في تعليمهم وتدريبهم لتعميم الخدمة التعليمية صياغتها فيأهداف بما يوافق تطلعات الطلبة المتوقع ، وبالتالي تسعي الجودة الشاملة إلي إعداد الطلاب بسمات معينة تجعلهم قادرين علي معايشة غزارة المعلومات وعمليات التغيير المستمرة والتقدم التكنولوجي الهائل بحيث لا ينحصر دورهم فقط في نقل للمعرفة والإصغاء ولكن في عملية التعامل مع هذه المعلومات والاستفاة منها بالقدر الكاف لخدمة عملية التعلم ، لذلك فإن هذه المرحلة تتطلب إنسانا بمواصفات معينة لاستيعاب كل ما هو جديد ومتسارع والتعامل معها بفعالية ، وهذا يتطلب تحول كبير في دور المؤسسة التعليمية والمعلم والمشرف الأكاديمي ، بحيث يعمل علي توفير مناخ تعليمي يسمح بحرية التعبير والمناقشة ومساعدة الطلاب علي التعلم الذاتي والتعاوني ، وهذا التوجه يتناسب مع أسلوب وفلسفة التعلم عن البعد التي تنتهجها الجامعات المفتوحة والتي تعتمد علي الطالب في عملية التعلم مع توفير كل الإمكانات اللازمة لحدوث التعلم بمساعدة المشرف الأكاديمي .
ولقد ظهر مفهوم إدارة الجودة الشاملة ( TQM ) بعد الأزمة التي حدثت في الاقتصاد الياباني بعد الحرب العالمية الثانية مما اضطر زعماء الصناعة اليابانية إلي إحداث الجودة بمساعدة ديمنج ( Deeming ) الأمريكي الذي يسمي بأبو الجودة ، والذي قام بتعليم المنتجين اليابانيين علي كيفية تحويل السلع الرخيصة والرديئة إلي سلع ذات جودة عالية، حيث تم بالفعل تسجيل أفضلية للسلع اليابانية علي المنتجات الأمريكية ، وعندما سأل " ديمنج " عن سبب نجاح إدارة الجودة الشاملة في اليابان بدرجة أكبر من الولايات المتحدة قال : إن الفرق هو بعملية التنفيذ أي تجسيد إدارة الجودة الشاملة وتطبيقاتها .
ويعني مفهوم إدارة الجودة الشاملة بأنه أسلوب متكامل يطبق في جميع فروع ومستويات المنطقة التعليمية ليوفر للعاملين وفرق العمل الفرصة لاشباع حاجات الطلاب والمستفيدين من عملية التعلم ، أو هي فعالية تحقيق أفضل خدمات تعليمية بحثية واستشارية بأكفأ أساليب وأقل تكاليف وأعلي جودة ممكنة ، بينما يري ( Joblanski Joseph : 1994 ) أن إدارة الجودة الشاملة هي فلسفة للإدارة أو أنها مجموعة من المبادئ الإرشادية التي تسمح لشخص أنيعمل إدارياً بشكل أفضل ، بينا يري البعض أن إدارة الجودة الشاملة هي أسلوب جديد للتفكير والنظر إلي المؤسسة وكيفية التعامل والعمل داخلها للوصول إلي جودة المنتج ، بينما يري آخرون أن إدارة الجودة الشاملة هي مدخل استراتيجي لانتاج أفضل منتج أو خدمة من خلال الانتاج المبدع ، ولقد عرفها معهد الجودة الفيدرالي الأمريكي بأنها تأدية العمل الصحيح علي نحو صحيح من الوهلة الأولي مع الاعتماد علي الاستفادة بتقويم المستفيد في معرفة مدي تحسن الأداء.
أما في القطاع التربوي فإن إدارة الجودة الشاملة تعرف بأنها عملية استراتيجية إدارية ترتكز علي مجموعة من القيم وتستمد طاقة حركتها من المعلومات التي تتمكن في إطارها من توظيف مواهب العاملين واستثمار قدراتهم الفكرية في مختلف مستويات التنظيم علي نحو إبداعي لتحقيق التحسن المستمر لمنظمة ، ويركز هذا التعريف علي مفهوم إدارة النظم الذي يربط بين المخلات والعمليات والمخرجات للعملية التعليمية ، وبالتالي يتطلب هذا المفهوم إلي النظر إلي كل من الطلاب المستفيدين بصورة مباشرة من هذا الأسلوب وكيفية إعداد المؤسسة لهم لتحقيق حاجاتهم ورغباتهم الحالية والمستقبلية ، وكذلك المعلمين والإداريين والعاملين الذين هم بحاجة إلي تدريب وتطوير لمهاراتهم وكفاياتهم لاستيعاب فلسفة ومفاهيم الجودة الشاملة وتطبيقاتها وفق لمبادئ الجودة الشاملة لديمنج وغيره من المتخصصين، وهذا يتطلب فحص الهيكل التنظيمي للنظام التربوي في أي مؤسسة تعليمية حتى يتوافق مع فلسفة إدارة الجودة الشاملة مع توفر مناهج توفق متطلبات الحياة العصرية .
* ـ وانطلاقا من هذه التعريفات فإن إدارة الجودة الشاملة في إطار المؤسسة التربوية تضم مجموعة من المضامين أهمها :
1- اعتماد أسلوب العمل الجماعي التعاوني ، ومقدار ما يمتلكه العنصر البشري في المؤسسة من قدرات ومواهب وخبرات .
2- الحرص علي استمرار التحسين والتطوير لتحسين الجودة .
3- تقليل الأخطاء من منطلق أداء العمل الصحيح مت أول مرة ، الأمر الذي يؤدي إلي تقليل التكلفة في الحد الأدنى مع الحصول علي رضي المستفيدين من العملية التعليمية .
4- الحرص علي حساب تكلفة الجودة داخل المؤسسة لتشمل كافة الأعمال المتعلقة بالخدمة المقدمة مثل تكاليف الفرص الضائعة ، تكلفة الأخطاء ، عمليات التقويم سمعة المؤسسة .
5- النهج الشمولي لكافة المجالات في النظام التعليمي كالأهداف والهيكل التنظيمي وأساليب العمل والدافعية والتحفيز والإجراءات .
* ـ ومهما كانت التعريفات التي تعرضت إلي مفهوم إدارة الجودة الشاملة إلا أنها تشترك في العديد من المسلمات أهمها :
1- أن التركيز علي تحسين المنتج هو المخرج النهائي لأي نظام .
2- أن إدارة الجودة الشاملة تعد فلسفة واستراتيجية طويلة الأمد تحتاج إلي مجهود كبير ومدة للحكم علي مدي نجاحها في تحقيق الأهداف .
3- تحتاج إدارة الجودة الشاملة إلي توفر قيادات فعالية قادرة علي الابتكار والتطبيق الفعال بثقة ودون تردد
4- تحتاج إلي استخدام أساليب ابتكارية وتوليد أفكار والتخطيط المثل للوصول للحل الامثل .
5- تحتاج إلي تدريب مستمر لحل المشكلات بأساوب علمي كالعصف الذهني .
6- تحتاج إلي المزيد من الجهد والمنافسة الشديدة بين المنظمات للوصول إلي أفضل منتج بأقل التكاليف للحصول علي رضي المستهلك .
7- تحتاج إلي توفر هيكلية ومناهج ملائمة لعملية التطبيق والتنفيذ .
* ـ ولقد وضع "ديمنج " برنامجاً لتحسين وتطبيق الجودة الشاملة يمكن ان يصلح لجميع المنظمات الإدارية بما فيها النظام التعليمي ، ويتكون هذا البرنامج من ( 14) نقطة وهي :
1- خلق حاجة مستمرة للتعليم وتحسين الإنتاج والخدمة .
2- تبني فلسفة جديدة للتطوير .
3. تطبيق فلسفة التحسينات المستمرة .
4- عدم بناء القرارات علي أساس التكاليف فقط .
5- منع الحاجة إلي التفتيش .
6- الاهتمام بالتدريب المستمر .
7- توفير قيادة ديمقراطية واعية .
8- القضاء علي الخوف لدي القيادات .
9. إلغاء الحواجز في الاتصالات .
10- منع الشعارات التي تركز علي الإنجازات والحقائق .
11 منع استخدام الحدود القصوى للأداء .
12- تشجيع التعبير عن الشعور بالاعتزاز بالثقة .
13 تطبيق برنامج التحسينات المستمرة .
14- التعرف علي جوانب العمل من خلال دورة ديمنج .
ويؤكد العديد من الباحثين الذين عملوا في ميدان الجودة الشاملة أن هذه المبادئ " لديمنج " لابد أن تدخل في تصميم أي منهج للجودة الشاملة التي سيطبق في أي مؤسسة تعليمية ، وهي تعد من المتطلبات الأساسية لتطبيق مفهوم إدارة الجودة الشاملة في النظام التعليمي .